Wednesday, August 7, 2019

ماذا لو استطعنا التنبؤ بالمستقبل؟



لقد جعلتني Raven أرى الأمور بشكلٍ مختلف، جعلتني أبتسم في كلّ مرة تذكرت فيها طريقة فهمها لما تراه، كانت سبباً لأشعر بالإمتنان في كلّ مرة تأملتُ فيها الحكمة من أننا لا نعلمُ أي شيء عن "الغد".

من هي Raven في مسلسل (That’s So Raven)؟
Raven هي فتاة مراهقة تمتلك قدرة خارقة وغير عادية تمكّنها من رؤية بعض المشاهد أو الرؤى أو اللمحات من المستقبل بشكل سريع ومفاجئ وغير متوقّع. الأمر يبدو مذهلاً، أليس كذلك؟.. حسناً، ليس تماماً.

لم تستطع Raven فهم أغلب تلك الرؤى بشكل صحيح، كانت ترى حدثاً واحداً فقط وتتصرف فيما بعد (للحصول على شيء أو لمنع حصول شيء) وفقاً لتفسيرها الخاص لما رأته، دون أن تأخذ بالإعتبار وقت حدوث ما رأته أو الظروف والأسباب التي هيّأت حصول ما رأته.
تابعتُ هذا المسلسل عندما كنتُ طالبة في المرحلة الإعدادية، جذبتني تلك الفكرة كثيراً آنذاك ويبدو أنني لم أستطِع التخلّص منها أو نسيانها حتى يومنا هذا. لاحظت مؤخراً أنني لا زلت أتخيّل لو كنت أمتلك قدرةً خارقةً مُشابهة، كانَ الأمر ليزدادَ سوءاً لا محالة. حينَ أرى أمامي بعض اللحظات الغريبة أو غير المتوقعة، أو اللحظات التي قد أشعر أنّ تصديقها صعب بعض الشيء، أتخيّل لو أنّني تمكنتُ من رؤيتها على شكل لمحةٍ سريعة مُسبقاً: كيف كنتُ لأفسرها؟ لأفهمها وأحللها؟ كيف كنت لأتقبّل حدوثها؟ كيف كنت لأتابع حياتي بشكلٍ طبيعي وأتصرّف بعدها كأنني لم أرَ شيئاً؟

أفكّر أحياناً أن عدم قدرتنا على الحصول على أي فكرة أو معلومة تتعلق بالمستقبل هو أمر مطَمْئِن ومُريح جداً، بالرغم من أننا -دون إرادتنا أحياناً- نفكر كثيراً بما قد يحدث غداً ونتمنّى لو أننا نتمكّن من معرفة القليل فقط لنحاول أن نتجنّب الخيبات أو الإرتباك أو القلق على الأقل. إنّ السرّ هو الوقت! لطالما كان الوقت هو ما يحرّك الأشياء ويغيّرها، هو ما يغيّر أشياءَ كثيرة في حياة كلٍ منا، وفي قلوبنا وعقولنا وأرواحنا كذلك، هو ما يتيح لنا تقبُّل بعض الأحداث تدريجياً بحيث أن الكثير من الأمور لن تبدو غريبة أو غير متوقعة حين يأتي وقت وقوعها وحدوثها:

- (س) سيصبح شخصاً ذائعَ الصيت بحلول 2021؟ لا بد أنك تمزح! لطالما كان فاشلاً في دراسته، ولم يستطِع حتّى أن يعثر على أيّ عمل حتى اليوم.
- نعم، أعلم. لكنه يمتلك صوتاً عذباً! ربما لا يستطيع أن يغنّي بشكلٍ ممتاز الآن، لكنه يتمرّن ويتدرّب باستمرار كثيراً هذه الأيام.

حقيقةُ أننا عرفنا أنّ (س) يمتلك صوتاً جميلاً وأنهُ يتدرب لإحتراف الغناء مستقبلاً تجعلُ تصديقنا وتقبُّلنا لحقيقة كونه أصبح فناناً ذائع الصيت بعد عامين أكثر سهولة. معرفتُنا لبعض التفاصيل والظروف المتعلقة بحياتنا وحياة الآخرين بالتدريج وبمساعدة الوقت تجعل الأمور أكثر منطقية وأكثر واقعية. أيضاً، قد تكون Raven قد فسّرت الكثير من الرؤى التي رأتها وفقاً لما تميل هي لتصديقه وفهمه، وهكذا قد نفعلُ نحن لو تمكّنا من معرفة بعض ما سيحصل معنا مستقبلاً! في بعض تلك الرؤى، على سبيل المثال، كانت ترى أنها تتعثّر وتسقط على الأرض أمام الجميع في يومٍ مهمٍ لها، كانت ترى أحياناً أنّها في ورطة، أو أنّها لما تتمكن من إنجازِ شيءٍ ما. كانت أفكارها الأولى عن تلك الرؤى تتعلق بالطريقة التي كانت ترى بها نفسها: "أنا أفشل أحياناً وهذا يعني أنني سأفشلُ في هذا الأمر أيضاً، وإلا لما كنتُ أصرخُ في تلك الرؤية إذاً؟"، "الأمرُ لن يسير على ما يرام، وهذا يعني بأنّ توقعاتي كانت صحيحة، وإلا لما كنتُ أبكي في تلك الرؤية؟"


إنّ مَنعنا من معرفةِ أيِّ شيءٍ يتعلق بحياتنا غداً أو الأسبوع/الشهر/العام القادم هو قمّةُ الرحمة واللُطف والطمأنينة، وإن كان يبعث في نفوسنا القلق أو التساؤلات أو التفكير الزائد أحياناً. لا يمكننا النظر للغد والإستعداد له دون التركيز على "اليوم" وعلى هذه اللحظة. كلّ دقيقة تحملُ شيئاً جديداً يمهّد لنا ما سنعرفه وما سنعيشه في الدقائق القادمة. كلُّ شيءٍ يتغيّر وكل شخصٍ يتغيّر بتغيُّر الأشياء والأشخاص من حوله، والوقتُ دائماً سيجعلُنا نعتاد ونتقبّل، حتى وإن لم نرغب بأن نعتاد ونتقبّل. ما كان على Raven أن تعرفه وتتعلمه هو أنّه لا ينبغي لها أن تغيّر من مجرى الأمور، كان عليها أن تنتظر لتفهم كيف ولماذا قد تحصل بعض الأشياء، كان عليها أن لا تلقي باللوم على نفسها في كثير من الأحيان وأن تدرك أن الظروف والأشخاص من حولها لهم تأثير كبير على مسار الأشياء في حياتها.

لا أعلم إن إستطعتُ إيصال ما أشعر وأفكر به فعلاً في كلّ مرة أتذكر فيها قدرة Raven الخارقة ، ولا أعلم أيضاً إن كان الأمر يبدو سخيفاً، لكنني أعلمُ أنّ أفكاري عن الوقت والتغيير والمستقبل تصبحُ أكثر وضوحاً بعد كلّ لحظةٍ غريبة أو غير متوقعة أعيشُها.